رواية
صفحة 1 من اصل 1
رواية
وفي العطلة الصيفية ، بنت الأسرة خيمة في منطقة الديارة في حي الشيخ سعد ، وسط مقاثي " الفقوس ، والكوسا ، والبامياء واللوبياء والبندورة " في مرج تربته حمراء ، ومزروعاته تسر الناظرين ، وكان ما يثير دهشة الأطفال هو النمو السريع للفقوس ، فما أن تنعقد الزهرة ، وتتحول إلى ثمرة حتى يبدأ نموها بشكل سريع ، تنعقد في الليل ، وفي ساعات الصباح تكون الثمرة بطول إصبع ، وعند المساء تصبح شبراً أو فتراً فهي تنمو بسرعة .
تعلم الأطفال من جدتهم انه إذا ما دفنت "الفقوس" تحت التربة بعد انعقاده مباشرة ، فإنه يفور بطريقة جنونية ، يتضاعف نموّه مرات ومرات في نفس اليوم ، استغرب الأطفال الطريقة، وشرعوا يستعملونها ، كانوا في بعض الأحيان ينسون الثمار التي دفنوها ، فتنمو بشكل سريع بحيث تصبح غير صالحة للأكل، فيتركها الأهل لتبقى " بذورا ً " لزارعتها في العام القادم ، كانت لذة قطف الفقوس لا يعرفها إلا من مارس الزراعة ، تقطفها بيدك ، تفركها بين راحتي يديك ، وتأكلها بدون غسيل أنها حقاً لذيذة .
كان الوالدان والجدة يمشون بين النباتات ، يقطفون الثمار ، ويضعون كل صنف في سلة ، يأخذون حاجة ليلتهم فقط ، ثم يوزعون الباقي على الأقارب وعلى الأصدقاء والجيران .
كانت متعة فراس ورباب ويزيد أن يدعوا اقرانهم من أبناء جيلهم ، يتجولون وسط المقاثي ويأكلون ما يشتهون دون رقيب أو حسيب ، وكان الأهل سعيدين بذلك .
الصغير يزيد كان يحب الفقوس بشكل كبير، ولا يقبله إلا إذا قطفه بيده ، أما رباب فإن فاكهتها المفضلة هي البندورة ، تقطف حبة البندورة الحمراء ، تمسحها بيديها ، تحضر قليلاً من الملح ، تخدشها بطرف قوارضها ، وترش الملح عليها ، وتأكلها بشهية ، تحب الآخرين أن يشاركوها في أكل فاكهتها المفضلة ، وتشرح لهم أنها فاكهة لذيذة ومغذية . قالت لها أمّها : البندورة من الخضار وليست فاكهة ، فردت عليها رباب بثقة العارف : بل إنها فاكهة .
سألتها الوالدة : من أين تعرفين ذلك ؟
أجابت : شاهدت ذلك في برنامج تلفزيوني ، حين قال الخبير الزراعي أن البندورة فاكهة ، وليست من صنف الخضار .
سكتت الوالدة على مضض ، في حين ابتسم الوالد وهو يؤكد صحة ما قالته رباب .
أمّا فراس فكانت هوايته المفضلة أن يأكل قرون اللوبياء نيئة بدون طبيخ ، في حين كان يستخرج بذور البامياء ويأكلها أيضا نيئة ، ولم يكن يستمع لنصيحة والدته أن ينتظر حتى تطبخها مع البندورة وقليل من اللحم ، كان يصف السائل اللزج الذي يخرج من البامياء المطبوخة أوصافاً تدعو إلى التقزز .
طلبت الجدة من ابنها أن يجمع المحاصيل الزائدة ، وان يقوم ببيعها في السوق ، إلا أنه رفض ذلك بشدة قائلاً : يا والدتي : هذه الأرض الطيبة إذا أكرمتها أكرمتك ، وإذا حافظت عليها حافظت عليك، ثم تساءل : كيف أبيع هذه الثمار ، وأخواتي وعماتي وجيراني وخالاتي وأبناؤهن بحاجة إليها؟ هل سأتاجر عليهن ؟!
- لا يا ولدي ، أجابت والدته : صلة الرحم تطيل العمر ، وتكثر في الرزق ، أعطِ الأرحام حاجتهن وبع الباقي . الله يرضى عليك ، ويعطيك الصحة والعافية .
فقال وللجيران حق علينا يا والدتي ، ألم تسمعي بالحديث الشريف الذي يقول : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه ".
- فقالت : هؤلاء جيران للأرض ، وليسوا جيراناً لنا ، لماذا لا يزرعون أرضهم بدلاً من العمل في المستوطنات ؟!
فرد مازن : هذا شأنهم يا والدتي ، فلا دخل لهم إلا من العمل في المستوطنات ، وغالبيتهم ليسوا متعلمين ولم ولن يحصلوا على وظائف تؤمن لهم دخلاً يكفيهم ، وربما لا يعرفون الزراعة .
وهنا تدخلت زوجته صفية قائلة : كيف لا يعرفون الزراعة وآباؤهم وأجدادهم كانوا يزرعون كل شبر في هذه الأرض ؟! ولم يكن لهم أية مداخيل إلا من ريعها .
- فقالت الجدة : يا أبنائي ، عندما كان الناس يعتاشون على الزراعة ، كانوا يستطيعون الوصول إلى أراضيهم ، أما الآن فإن المستوطنات تملأ المنطقة ، وغالبية الأرض الزراعية مغلقة بأوامر عسكرية بحيث لا يستطيع مالكوها الوصول إليها ، وأنا أسأل عن عدم زراعتهم للأراضي الواقعة بجانب بيوتهم ، بدلاً من أن يتركوها للأعشاب والأشواك الضارة ، لماذا لا يزرعون ويحصلون على حاجة بيوتهم على الأقل ؟ انظروا كيف يمرح أطفالهم في مقاثينا ؟ لماذا لا يوفرون الفرحة لأطفالهم على الأقل ؟!
فرد عليها ابنها مازن : فاقد الشيء لا يعطيه يا أمي ، إنني عندما أرى الفرحة على وجوه أطفالهم- وهم يتراكضون مع أولادي في المقاثي- اشعر بفرحة غامرة ، وأنا أتذكر ما قاله المرحوم توفيق زياد : " وأعطي نصف عمري لمن يجعل طفلاً باكياً يضحك " فلماذا نحرم هؤلاء الأطفال من الضحك والسعادة ؟ ولماذا نحرم أنفسنا هذا الفرح أيضاً ؟!
-فقالت الجدة : الله يرضى عليك يا ابني ، اعمل ما يرضيك وأسأل الله التوفيق ، ثم أضافت : في سنوات الخير يا ولدي : رحمة الله على أبيك ، ذات مرة حرث أرضنا في البقيعة وبذر كيس قمح " أبو خطّين " كان يتسع إلى حوالي خمسين رطلاً ، وربك إذا أعطى لا يبخل يا ولدي ، هل تعلم يا ولدي أننا جمعنا في موسم الحصاد خمسة وثلاثين شوالاً من القمح ، وبذر خمسة أرطال عدس فجمعنا اثني عشر شوالاً ، في زمن والدك الله يرحمه – لم نشتر الطحين ولو مرة واحدة ، لم يطعمكم إلا خبز القمح البلدي ، إذا أمحلت عاماً أو أكثر كان المخزن دائماً مليئاً بالحبوب التي تكفينا لأكثر من خمس سنوات ، لم نعمل في " الورشات " ولم يستخدمنا احد ، كنا أرباب أنفسنا ، نزرع الأرض، ونربي الأغنام ، نشرب حليبها ولبنها ، ونأكل من جبنها وزبدتها وسمنها ، وفي سنوات المحل التي يقل مطرها ولا يتحول الزرع إلى سنابل ،كانت الأغنام ترعى النباتات فلا نخسر شيئاً ، بالعكس كنا نوفر ثمن العلف ،كنا نبيع الخراف والجبن والزبدة واللبن ، ونشتري حاجياتنا الأخرى ، ثم تساءلت :
تعلم الأطفال من جدتهم انه إذا ما دفنت "الفقوس" تحت التربة بعد انعقاده مباشرة ، فإنه يفور بطريقة جنونية ، يتضاعف نموّه مرات ومرات في نفس اليوم ، استغرب الأطفال الطريقة، وشرعوا يستعملونها ، كانوا في بعض الأحيان ينسون الثمار التي دفنوها ، فتنمو بشكل سريع بحيث تصبح غير صالحة للأكل، فيتركها الأهل لتبقى " بذورا ً " لزارعتها في العام القادم ، كانت لذة قطف الفقوس لا يعرفها إلا من مارس الزراعة ، تقطفها بيدك ، تفركها بين راحتي يديك ، وتأكلها بدون غسيل أنها حقاً لذيذة .
كان الوالدان والجدة يمشون بين النباتات ، يقطفون الثمار ، ويضعون كل صنف في سلة ، يأخذون حاجة ليلتهم فقط ، ثم يوزعون الباقي على الأقارب وعلى الأصدقاء والجيران .
كانت متعة فراس ورباب ويزيد أن يدعوا اقرانهم من أبناء جيلهم ، يتجولون وسط المقاثي ويأكلون ما يشتهون دون رقيب أو حسيب ، وكان الأهل سعيدين بذلك .
الصغير يزيد كان يحب الفقوس بشكل كبير، ولا يقبله إلا إذا قطفه بيده ، أما رباب فإن فاكهتها المفضلة هي البندورة ، تقطف حبة البندورة الحمراء ، تمسحها بيديها ، تحضر قليلاً من الملح ، تخدشها بطرف قوارضها ، وترش الملح عليها ، وتأكلها بشهية ، تحب الآخرين أن يشاركوها في أكل فاكهتها المفضلة ، وتشرح لهم أنها فاكهة لذيذة ومغذية . قالت لها أمّها : البندورة من الخضار وليست فاكهة ، فردت عليها رباب بثقة العارف : بل إنها فاكهة .
سألتها الوالدة : من أين تعرفين ذلك ؟
أجابت : شاهدت ذلك في برنامج تلفزيوني ، حين قال الخبير الزراعي أن البندورة فاكهة ، وليست من صنف الخضار .
سكتت الوالدة على مضض ، في حين ابتسم الوالد وهو يؤكد صحة ما قالته رباب .
أمّا فراس فكانت هوايته المفضلة أن يأكل قرون اللوبياء نيئة بدون طبيخ ، في حين كان يستخرج بذور البامياء ويأكلها أيضا نيئة ، ولم يكن يستمع لنصيحة والدته أن ينتظر حتى تطبخها مع البندورة وقليل من اللحم ، كان يصف السائل اللزج الذي يخرج من البامياء المطبوخة أوصافاً تدعو إلى التقزز .
طلبت الجدة من ابنها أن يجمع المحاصيل الزائدة ، وان يقوم ببيعها في السوق ، إلا أنه رفض ذلك بشدة قائلاً : يا والدتي : هذه الأرض الطيبة إذا أكرمتها أكرمتك ، وإذا حافظت عليها حافظت عليك، ثم تساءل : كيف أبيع هذه الثمار ، وأخواتي وعماتي وجيراني وخالاتي وأبناؤهن بحاجة إليها؟ هل سأتاجر عليهن ؟!
- لا يا ولدي ، أجابت والدته : صلة الرحم تطيل العمر ، وتكثر في الرزق ، أعطِ الأرحام حاجتهن وبع الباقي . الله يرضى عليك ، ويعطيك الصحة والعافية .
فقال وللجيران حق علينا يا والدتي ، ألم تسمعي بالحديث الشريف الذي يقول : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه ".
- فقالت : هؤلاء جيران للأرض ، وليسوا جيراناً لنا ، لماذا لا يزرعون أرضهم بدلاً من العمل في المستوطنات ؟!
فرد مازن : هذا شأنهم يا والدتي ، فلا دخل لهم إلا من العمل في المستوطنات ، وغالبيتهم ليسوا متعلمين ولم ولن يحصلوا على وظائف تؤمن لهم دخلاً يكفيهم ، وربما لا يعرفون الزراعة .
وهنا تدخلت زوجته صفية قائلة : كيف لا يعرفون الزراعة وآباؤهم وأجدادهم كانوا يزرعون كل شبر في هذه الأرض ؟! ولم يكن لهم أية مداخيل إلا من ريعها .
- فقالت الجدة : يا أبنائي ، عندما كان الناس يعتاشون على الزراعة ، كانوا يستطيعون الوصول إلى أراضيهم ، أما الآن فإن المستوطنات تملأ المنطقة ، وغالبية الأرض الزراعية مغلقة بأوامر عسكرية بحيث لا يستطيع مالكوها الوصول إليها ، وأنا أسأل عن عدم زراعتهم للأراضي الواقعة بجانب بيوتهم ، بدلاً من أن يتركوها للأعشاب والأشواك الضارة ، لماذا لا يزرعون ويحصلون على حاجة بيوتهم على الأقل ؟ انظروا كيف يمرح أطفالهم في مقاثينا ؟ لماذا لا يوفرون الفرحة لأطفالهم على الأقل ؟!
فرد عليها ابنها مازن : فاقد الشيء لا يعطيه يا أمي ، إنني عندما أرى الفرحة على وجوه أطفالهم- وهم يتراكضون مع أولادي في المقاثي- اشعر بفرحة غامرة ، وأنا أتذكر ما قاله المرحوم توفيق زياد : " وأعطي نصف عمري لمن يجعل طفلاً باكياً يضحك " فلماذا نحرم هؤلاء الأطفال من الضحك والسعادة ؟ ولماذا نحرم أنفسنا هذا الفرح أيضاً ؟!
-فقالت الجدة : الله يرضى عليك يا ابني ، اعمل ما يرضيك وأسأل الله التوفيق ، ثم أضافت : في سنوات الخير يا ولدي : رحمة الله على أبيك ، ذات مرة حرث أرضنا في البقيعة وبذر كيس قمح " أبو خطّين " كان يتسع إلى حوالي خمسين رطلاً ، وربك إذا أعطى لا يبخل يا ولدي ، هل تعلم يا ولدي أننا جمعنا في موسم الحصاد خمسة وثلاثين شوالاً من القمح ، وبذر خمسة أرطال عدس فجمعنا اثني عشر شوالاً ، في زمن والدك الله يرحمه – لم نشتر الطحين ولو مرة واحدة ، لم يطعمكم إلا خبز القمح البلدي ، إذا أمحلت عاماً أو أكثر كان المخزن دائماً مليئاً بالحبوب التي تكفينا لأكثر من خمس سنوات ، لم نعمل في " الورشات " ولم يستخدمنا احد ، كنا أرباب أنفسنا ، نزرع الأرض، ونربي الأغنام ، نشرب حليبها ولبنها ، ونأكل من جبنها وزبدتها وسمنها ، وفي سنوات المحل التي يقل مطرها ولا يتحول الزرع إلى سنابل ،كانت الأغنام ترعى النباتات فلا نخسر شيئاً ، بالعكس كنا نوفر ثمن العلف ،كنا نبيع الخراف والجبن والزبدة واللبن ، ونشتري حاجياتنا الأخرى ، ثم تساءلت :
حسن شمام- المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 22/12/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى