منتديات انفنتي نت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رواية

اذهب الى الأسفل

رواية Empty رواية

مُساهمة  حسن شمام الأربعاء يناير 02, 2008 3:17 am

وفي العطلة الصيفية ، بنت الأسرة خيمة في منطقة الديارة في حي الشيخ سعد ، وسط مقاثي " الفقوس ، والكوسا ، والبامياء واللوبياء والبندورة " في مرج تربته حمراء ، ومزروعاته تسر الناظرين ، وكان ما يثير دهشة الأطفال هو النمو السريع للفقوس ، فما أن تنعقد الزهرة ، وتتحول إلى ثمرة حتى يبدأ نموها بشكل سريع ، تنعقد في الليل ، وفي ساعات الصباح تكون الثمرة بطول إصبع ، وعند المساء تصبح شبراً أو فتراً فهي تنمو بسرعة .

تعلم الأطفال من جدتهم انه إذا ما دفنت "الفقوس" تحت التربة بعد انعقاده مباشرة ، فإنه يفور بطريقة جنونية ، يتضاعف نموّه مرات ومرات في نفس اليوم ، استغرب الأطفال الطريقة، وشرعوا يستعملونها ، كانوا في بعض الأحيان ينسون الثمار التي دفنوها ، فتنمو بشكل سريع بحيث تصبح غير صالحة للأكل، فيتركها الأهل لتبقى " بذورا ً " لزارعتها في العام القادم ، كانت لذة قطف الفقوس لا يعرفها إلا من مارس الزراعة ، تقطفها بيدك ، تفركها بين راحتي يديك ، وتأكلها بدون غسيل أنها حقاً لذيذة .

كان الوالدان والجدة يمشون بين النباتات ، يقطفون الثمار ، ويضعون كل صنف في سلة ، يأخذون حاجة ليلتهم فقط ، ثم يوزعون الباقي على الأقارب وعلى الأصدقاء والجيران .

كانت متعة فراس ورباب ويزيد أن يدعوا اقرانهم من أبناء جيلهم ، يتجولون وسط المقاثي ويأكلون ما يشتهون دون رقيب أو حسيب ، وكان الأهل سعيدين بذلك .

الصغير يزيد كان يحب الفقوس بشكل كبير، ولا يقبله إلا إذا قطفه بيده ، أما رباب فإن فاكهتها المفضلة هي البندورة ، تقطف حبة البندورة الحمراء ، تمسحها بيديها ، تحضر قليلاً من الملح ، تخدشها بطرف قوارضها ، وترش الملح عليها ، وتأكلها بشهية ، تحب الآخرين أن يشاركوها في أكل فاكهتها المفضلة ، وتشرح لهم أنها فاكهة لذيذة ومغذية . قالت لها أمّها : البندورة من الخضار وليست فاكهة ، فردت عليها رباب بثقة العارف : بل إنها فاكهة .

سألتها الوالدة : من أين تعرفين ذلك ؟

أجابت : شاهدت ذلك في برنامج تلفزيوني ، حين قال الخبير الزراعي أن البندورة فاكهة ، وليست من صنف الخضار .

سكتت الوالدة على مضض ، في حين ابتسم الوالد وهو يؤكد صحة ما قالته رباب .

أمّا فراس فكانت هوايته المفضلة أن يأكل قرون اللوبياء نيئة بدون طبيخ ، في حين كان يستخرج بذور البامياء ويأكلها أيضا نيئة ، ولم يكن يستمع لنصيحة والدته أن ينتظر حتى تطبخها مع البندورة وقليل من اللحم ، كان يصف السائل اللزج الذي يخرج من البامياء المطبوخة أوصافاً تدعو إلى التقزز .

طلبت الجدة من ابنها أن يجمع المحاصيل الزائدة ، وان يقوم ببيعها في السوق ، إلا أنه رفض ذلك بشدة قائلاً : يا والدتي : هذه الأرض الطيبة إذا أكرمتها أكرمتك ، وإذا حافظت عليها حافظت عليك، ثم تساءل : كيف أبيع هذه الثمار ، وأخواتي وعماتي وجيراني وخالاتي وأبناؤهن بحاجة إليها؟ هل سأتاجر عليهن ؟!

- لا يا ولدي ، أجابت والدته : صلة الرحم تطيل العمر ، وتكثر في الرزق ، أعطِ الأرحام حاجتهن وبع الباقي . الله يرضى عليك ، ويعطيك الصحة والعافية .

فقال وللجيران حق علينا يا والدتي ، ألم تسمعي بالحديث الشريف الذي يقول : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه ".

- فقالت : هؤلاء جيران للأرض ، وليسوا جيراناً لنا ، لماذا لا يزرعون أرضهم بدلاً من العمل في المستوطنات ؟!

فرد مازن : هذا شأنهم يا والدتي ، فلا دخل لهم إلا من العمل في المستوطنات ، وغالبيتهم ليسوا متعلمين ولم ولن يحصلوا على وظائف تؤمن لهم دخلاً يكفيهم ، وربما لا يعرفون الزراعة .

وهنا تدخلت زوجته صفية قائلة : كيف لا يعرفون الزراعة وآباؤهم وأجدادهم كانوا يزرعون كل شبر في هذه الأرض ؟! ولم يكن لهم أية مداخيل إلا من ريعها .

- فقالت الجدة : يا أبنائي ، عندما كان الناس يعتاشون على الزراعة ، كانوا يستطيعون الوصول إلى أراضيهم ، أما الآن فإن المستوطنات تملأ المنطقة ، وغالبية الأرض الزراعية مغلقة بأوامر عسكرية بحيث لا يستطيع مالكوها الوصول إليها ، وأنا أسأل عن عدم زراعتهم للأراضي الواقعة بجانب بيوتهم ، بدلاً من أن يتركوها للأعشاب والأشواك الضارة ، لماذا لا يزرعون ويحصلون على حاجة بيوتهم على الأقل ؟ انظروا كيف يمرح أطفالهم في مقاثينا ؟ لماذا لا يوفرون الفرحة لأطفالهم على الأقل ؟!

فرد عليها ابنها مازن : فاقد الشيء لا يعطيه يا أمي ، إنني عندما أرى الفرحة على وجوه أطفالهم- وهم يتراكضون مع أولادي في المقاثي- اشعر بفرحة غامرة ، وأنا أتذكر ما قاله المرحوم توفيق زياد : " وأعطي نصف عمري لمن يجعل طفلاً باكياً يضحك " فلماذا نحرم هؤلاء الأطفال من الضحك والسعادة ؟ ولماذا نحرم أنفسنا هذا الفرح أيضاً ؟!

-فقالت الجدة : الله يرضى عليك يا ابني ، اعمل ما يرضيك وأسأل الله التوفيق ، ثم أضافت : في سنوات الخير يا ولدي : رحمة الله على أبيك ، ذات مرة حرث أرضنا في البقيعة وبذر كيس قمح " أبو خطّين " كان يتسع إلى حوالي خمسين رطلاً ، وربك إذا أعطى لا يبخل يا ولدي ، هل تعلم يا ولدي أننا جمعنا في موسم الحصاد خمسة وثلاثين شوالاً من القمح ، وبذر خمسة أرطال عدس فجمعنا اثني عشر شوالاً ، في زمن والدك الله يرحمه – لم نشتر الطحين ولو مرة واحدة ، لم يطعمكم إلا خبز القمح البلدي ، إذا أمحلت عاماً أو أكثر كان المخزن دائماً مليئاً بالحبوب التي تكفينا لأكثر من خمس سنوات ، لم نعمل في " الورشات " ولم يستخدمنا احد ، كنا أرباب أنفسنا ، نزرع الأرض، ونربي الأغنام ، نشرب حليبها ولبنها ، ونأكل من جبنها وزبدتها وسمنها ، وفي سنوات المحل التي يقل مطرها ولا يتحول الزرع إلى سنابل ،كانت الأغنام ترعى النباتات فلا نخسر شيئاً ، بالعكس كنا نوفر ثمن العلف ،كنا نبيع الخراف والجبن والزبدة واللبن ، ونشتري حاجياتنا الأخرى ، ثم تساءلت :

حسن شمام

المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 22/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى