منتديات انفنتي نت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رواية

اذهب الى الأسفل

رواية Empty رواية

مُساهمة  حسن شمام الأربعاء يناير 02, 2008 3:19 am

رحلة مدرسية

وعندما عادت إلى البيت في ساعات ما بعد الظهيرة من رحلتها المدرسية إلى حديقة الحيوانات ، كانت في غاية السعادة . تتنقل في أرجاء البيت بخفة ورشاقة كطائر الشنّار ، يسألها شقيقها فراس الذي يكبرها بسنتين عمّا رأت ، فتجيبه إجابات غير كاملة وسط قهقهة عذبة ، فيلح عليها لمعرفة المزيد ، فتزداد ضحكاً وتهرب منه كأنها في مطاردة .

كان الوالدان مسرورين لما يجري بين طفليهما ، فيسمعان لهما بصمت والابتسامة تعلو وجهيهما ، بينما يزداد فراس شوقاً لمعرفة ما رأت شقيقته في رحلتها المدرسية ، وكلما تهرب منه يرتفع صوته غاضبا ، فيحاول الإمساك بها الا انها تهرب كالفراشة إلى حضن احد والديها ، ويبدو ان هذه اللعبة قد استهوتها.

ناداها والدها وسألها :

- ما رأيك يا رباب .. هل ستحدثينني عن رحلتك ؟؟

فأجابت : نعم يا أبي ، بشرط ان لا يسمع فراس .

- ولماذا لا تريدين فراس ان يسمع ؟؟

-لأنه عندما ذهب إلى الرحلة نفسها لم يحدثني شيئا عنها. ضحك الأب ، وضحكت الأم ، بينما انزوى فراس في مقعد جانبيّ ولم ينبس ببنت شفة .

قال الأب :

أنت طفلة رائعة يا رباب ، وبالتأكيد فإنك ستحدثيننا أنا وأمك وفراس عن الرحلة . فابتسمت رباب وهي تقف أمام والدها وشرعت تقول ، وهي تشير بيديها ذات الشمال وذات اليمين :

عندما نزلنا من الباص أمام الحديقة ، طلبت منا المعلمة ان نصطف اثنين اثنين ، وان يمسك الاثنان بيدي بعضهما ، فأمسكت بيد زينب وحرصت ان نكون في المقدمة ، وعندما فتح الحارس الباب وسمح لنا بالدخول ، أول ما صادفنا أقفاص فيها أنواع مختلفة من الببغاوات ، منظرها جميل جدا ، وكل مجموعة لون ريشها يختلف عن لون المجموعة الأخرى ، صوتها مزعج ، الا ان قائدها يتكلم مثلنا نحن البشر ، طرح علينا تحية الصباح ، وطلب منا الوقوف للتفتيش، فلم استجب له وواصلت المسير ، فصاح ثانية : توقفا أيتهما الطفلتان ؟ أريد ان أفتش حقيبتيكما ، فقلت له باستهزاء : أنا لا اسمح لببغاء بأن يفتش حقيبتي ، وبدأ يفتش حقائب الأطفال الآخرين كما فتش حقائب المعلمات ، ولم ينج من التفتيش سوى أنا وصديقتي زينب ، وعلى مقربة منه كانت حظيرة فيها حوالي عشرة رؤوس من حيوانات الّلاما ، كانت تجفل من جانب إلى الجانب الآخر حتى تصطدم بالأسلاك الشائكة، يبدو انها مذعورة ، صاح الذكر الأكبر منها قائلاً :

- توقفوا أيها الأطفال وافتحوا حقائبكم للتفتيش ؟!

فأجبته : نحن لا نسمح لأحد بأن يفتشنا. فرفع رأسه واقترب من الأسلاك الشائكة وهو يخبط بقائمته الأولى الأمامية ، وكأنه يريد إلقاء القبض علينا ، فقلت له :

- أرجو ان لا تنخدع بطول وارتفاع قامتك وشبهك بالجمال، فتظن نفسك جملاً ، فما أنت الا أسير، وان أطلقوا سراحك ، فهناك من يمتطي ظهرك ، ويقودك إلى حيث يشاء ، أو يحملك الأحمال الثقيلة ، وينتقل بك من مكان إلى آخر ، ولن اسمح لك بتفتيشنا .

وبينما كان الوالدان يصغيان بانتباه شديد ، انفجر فراس صائحا :- هذا كذب ، هذا كذب ، الحيوانات لا تتكلم ، فالتفت إليه والده لفتة فيها عتاب فسكت . وطلب الوالد من رباب ان تكمل ، فقالت :- فتش الّلاما الجميع الا أنا وصديقتي زينب ، ثم انتقلنا إلى أقفاص فيها أنواع مختلفة من القردة والسعادين ، فلفت انتباهي نوع من السعادين طويل الذنب ، صغير الحجم ، كانت تتأرجح على مراجيح منصوبة في الأقفاص ، وبعضها كان يلّف ذنبه على الأرجوحة ، ويدلي جسمه متأرجحا بشكل لا نقوى عليه نحن البشر - طبعا باستثناء من يعملون في السيرك كما شاهدناهم في التلفاز – وهنا التفتت إلى والدتها وقالت : ماما ، الذين يعملون في السيرك هل هم أبناء قردة وسعادين ، أم ان القردة والسعادين أبناء لهم ؟؟ فضحك الأبوان ، أما فراس فقد قال متجهما : هذا سؤال سخيف ، فردت عليه رباب : ومع ذلك فانك لا تعرف الإجابة ، وان كنت تعرفها اخبرنا عنها ، فسكت ، وواصلت رباب حديثها : وبالقرب من قفص السعادين ذات الأذناب الطويلة والأجسام الصغيرة ، كان هناك نوع من القردة كبير الجسم بلا أذناب، أخبرتنا المعلمة انه الشمبانزي ، مظهره يوحي بشبه بينه وبين الإنسان ، يجلس على مؤخرته كالإنسان تماماً ، ويحضن أبناءه الصغار ، ويطعمهم ، ويحملهم في حضنه عندما ينتقل من مكان إلى آخر داخل القفص ، ويتأرجح بيد بينما يحضن ابنه في اليد الأخرى ، يكسو الشعر الكثيف جسمه باستثناء مؤخرته ، يصدر أصواتاً غير مفهومة ، تقدم احدها من أسلاك القفص ، وطلب منا ان نفتح الحقائب لتفتيشها ، فرفضت أنا وصديقتي زينب بينما قام بتفتيش الآخرين ، في حين كانت أنثاه ترضع صغيرها ، فألقيت لها من بين الأسلاك تفاحة ، التقطتها وبدأت تأكلها ، أطعمت قليلا منها لصغيرها ، في حين رفضت ان تعطي أي جزء منها للذكر الذي مدّ يده إليها طالباً ان تمنحه منها شيئا ، التفت إلينا وكأنه يتوسل ان نعطيه تفاحة ، لكن لسوء حظه لم يكن معنا مزيد من التفاح ، الا ان زميلتنا فاطمة أشفقت عليه ، وألقت إليه إجاصة كانت معها فأكلها لقمة واحدة ، وهو يصرخ مناديا إياي وزينب كي نتوقف للتفتيش ‍‍! فقلت له : بدلاً من تفتيشنا كان الأجدر بك ان تعمل لتحرر نفسك من هذا القفص ، وتعود إلى الغابة ، تأكل ما تشاء من الثمار ، وتنتقل كيفما تشاء ، فلو كنت في الغابة لما اقتربنا منك ، ولن نسمح لك بتفتيشنا إلا في الغابة ، فخجل من نفسه ، وعاد إلى بيته الذي يشبه قنّ الدجاج في القفص واختبأ .

وعندما وصلنا إلى الثعالب ، كانت في حفرة واسعة ، لا تستطيع القفز منها ، محاطة من الأعلى بسياج حديدي يمنع الدخول والخروج وفي جانبها جحر تختبئ فيه وقت الحاجة ، كان بعضها مستلقيا على جانبه كالكلاب في حالة الاسترخاء ، بينما خرج بعضها من الجحر وقد طأطأ رأسه بين قائمتيه الأماميتين الممدودتين أمامه ، نظرت إلينا بعض الثعالب التي اصطفت بجانب بعضها البعض ، وطلبت منا ان نفتح حقائبنا للتفتيش ، فقلت لها ساخرة : نحن لا نستطيع النزول إليكن ، وان أردتن تفتيشنا فاخرجن من هذه الحفرة ، وتقدمن إلينا حتى تستطعن رؤية ما بداخل حقائبنا ، فطأطأت الثعالب رؤوسها، وعادت إلى جحرها، وبهذا أنقذت معلماتي وزميلاتي من تفتيش الثعالب .

وانتقلنا إلى حظيرة فيها حمير الوحش ، وهذه هي المرة الأولى التي أقف أمامها وجها لوجه ، سبق لي ان رأيتها في التلفاز ، لكن تلك الرؤيا لم يكن لها وقع على نفسي كما المشاهدة الحقيقية ، تمعنت في منظرها ، ولاحظت ان لا فارق بينها وبين حمار جارنا سامر الا في اللون، وسألت إحدى معلماتي ان كانت هذه الحمير تسمح للإنسان ان يمتطيها كما يفعل حمار جارنا سامر ، فأجابت بأن هذه الحمير لم تُسَخّر لخدمة الإنسان كالحمير الداجنة ، كان بعضها مستكيناً ، الذباب يحوم حول أجفانها ، وفمها ، وتحت ذيولها ، في حين كان البعض الآخر يتمرمغ احياناً ، ويخبط الأرض بقوائمه أحيانا أخرى ، تقدم احدها منّا مادّاً أذنيه إلى الأعلى ، رافعا ذنبه جاحظاً عينيه ، ويخبط الأرض بقائمته الأمامية اليمنى ، وينهق علينا طالباً ان نفتح حقائبنا للتفتيش ، فقلت له : لو انك بقيت في مراعي موطنك الأصلي مع بقية الحيوانات الأخرى ، لما استطعنا الاقتراب منك ومنها ، ولو كنت هناك فعلا وطلبت تفتيشنا لسمحنا لك ، أما وأنت أسير في حظيرة حقيرة فليس من حقك ان تفتشنا ، فقال لي : لكنني لم آت إلى هذه الحظيرة بإرادتي بل أتى بي بشر متوحشون ، طاردوني وخدروني وأوثقوا رباطي إلى ان أوصلوني هنا رغما عني، فقلت له : كان الأجدر بك ان تموت ميتة واحدة في موطنك الأصلي ، بدلاً من ان تأتي هنا لتموت في اليوم مئة مرة ، فسألني : وكيف ؟

حسن شمام

المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 22/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى