رواية
صفحة 1 من اصل 1
رواية
رحلة مدرسية
وعندما عادت إلى البيت في ساعات ما بعد الظهيرة من رحلتها المدرسية إلى حديقة الحيوانات ، كانت في غاية السعادة . تتنقل في أرجاء البيت بخفة ورشاقة كطائر الشنّار ، يسألها شقيقها فراس الذي يكبرها بسنتين عمّا رأت ، فتجيبه إجابات غير كاملة وسط قهقهة عذبة ، فيلح عليها لمعرفة المزيد ، فتزداد ضحكاً وتهرب منه كأنها في مطاردة .
كان الوالدان مسرورين لما يجري بين طفليهما ، فيسمعان لهما بصمت والابتسامة تعلو وجهيهما ، بينما يزداد فراس شوقاً لمعرفة ما رأت شقيقته في رحلتها المدرسية ، وكلما تهرب منه يرتفع صوته غاضبا ، فيحاول الإمساك بها الا انها تهرب كالفراشة إلى حضن احد والديها ، ويبدو ان هذه اللعبة قد استهوتها.
ناداها والدها وسألها :
- ما رأيك يا رباب .. هل ستحدثينني عن رحلتك ؟؟
فأجابت : نعم يا أبي ، بشرط ان لا يسمع فراس .
- ولماذا لا تريدين فراس ان يسمع ؟؟
-لأنه عندما ذهب إلى الرحلة نفسها لم يحدثني شيئا عنها. ضحك الأب ، وضحكت الأم ، بينما انزوى فراس في مقعد جانبيّ ولم ينبس ببنت شفة .
قال الأب :
أنت طفلة رائعة يا رباب ، وبالتأكيد فإنك ستحدثيننا أنا وأمك وفراس عن الرحلة . فابتسمت رباب وهي تقف أمام والدها وشرعت تقول ، وهي تشير بيديها ذات الشمال وذات اليمين :
عندما نزلنا من الباص أمام الحديقة ، طلبت منا المعلمة ان نصطف اثنين اثنين ، وان يمسك الاثنان بيدي بعضهما ، فأمسكت بيد زينب وحرصت ان نكون في المقدمة ، وعندما فتح الحارس الباب وسمح لنا بالدخول ، أول ما صادفنا أقفاص فيها أنواع مختلفة من الببغاوات ، منظرها جميل جدا ، وكل مجموعة لون ريشها يختلف عن لون المجموعة الأخرى ، صوتها مزعج ، الا ان قائدها يتكلم مثلنا نحن البشر ، طرح علينا تحية الصباح ، وطلب منا الوقوف للتفتيش، فلم استجب له وواصلت المسير ، فصاح ثانية : توقفا أيتهما الطفلتان ؟ أريد ان أفتش حقيبتيكما ، فقلت له باستهزاء : أنا لا اسمح لببغاء بأن يفتش حقيبتي ، وبدأ يفتش حقائب الأطفال الآخرين كما فتش حقائب المعلمات ، ولم ينج من التفتيش سوى أنا وصديقتي زينب ، وعلى مقربة منه كانت حظيرة فيها حوالي عشرة رؤوس من حيوانات الّلاما ، كانت تجفل من جانب إلى الجانب الآخر حتى تصطدم بالأسلاك الشائكة، يبدو انها مذعورة ، صاح الذكر الأكبر منها قائلاً :
- توقفوا أيها الأطفال وافتحوا حقائبكم للتفتيش ؟!
فأجبته : نحن لا نسمح لأحد بأن يفتشنا. فرفع رأسه واقترب من الأسلاك الشائكة وهو يخبط بقائمته الأولى الأمامية ، وكأنه يريد إلقاء القبض علينا ، فقلت له :
- أرجو ان لا تنخدع بطول وارتفاع قامتك وشبهك بالجمال، فتظن نفسك جملاً ، فما أنت الا أسير، وان أطلقوا سراحك ، فهناك من يمتطي ظهرك ، ويقودك إلى حيث يشاء ، أو يحملك الأحمال الثقيلة ، وينتقل بك من مكان إلى آخر ، ولن اسمح لك بتفتيشنا .
وبينما كان الوالدان يصغيان بانتباه شديد ، انفجر فراس صائحا :- هذا كذب ، هذا كذب ، الحيوانات لا تتكلم ، فالتفت إليه والده لفتة فيها عتاب فسكت . وطلب الوالد من رباب ان تكمل ، فقالت :- فتش الّلاما الجميع الا أنا وصديقتي زينب ، ثم انتقلنا إلى أقفاص فيها أنواع مختلفة من القردة والسعادين ، فلفت انتباهي نوع من السعادين طويل الذنب ، صغير الحجم ، كانت تتأرجح على مراجيح منصوبة في الأقفاص ، وبعضها كان يلّف ذنبه على الأرجوحة ، ويدلي جسمه متأرجحا بشكل لا نقوى عليه نحن البشر - طبعا باستثناء من يعملون في السيرك كما شاهدناهم في التلفاز – وهنا التفتت إلى والدتها وقالت : ماما ، الذين يعملون في السيرك هل هم أبناء قردة وسعادين ، أم ان القردة والسعادين أبناء لهم ؟؟ فضحك الأبوان ، أما فراس فقد قال متجهما : هذا سؤال سخيف ، فردت عليه رباب : ومع ذلك فانك لا تعرف الإجابة ، وان كنت تعرفها اخبرنا عنها ، فسكت ، وواصلت رباب حديثها : وبالقرب من قفص السعادين ذات الأذناب الطويلة والأجسام الصغيرة ، كان هناك نوع من القردة كبير الجسم بلا أذناب، أخبرتنا المعلمة انه الشمبانزي ، مظهره يوحي بشبه بينه وبين الإنسان ، يجلس على مؤخرته كالإنسان تماماً ، ويحضن أبناءه الصغار ، ويطعمهم ، ويحملهم في حضنه عندما ينتقل من مكان إلى آخر داخل القفص ، ويتأرجح بيد بينما يحضن ابنه في اليد الأخرى ، يكسو الشعر الكثيف جسمه باستثناء مؤخرته ، يصدر أصواتاً غير مفهومة ، تقدم احدها من أسلاك القفص ، وطلب منا ان نفتح الحقائب لتفتيشها ، فرفضت أنا وصديقتي زينب بينما قام بتفتيش الآخرين ، في حين كانت أنثاه ترضع صغيرها ، فألقيت لها من بين الأسلاك تفاحة ، التقطتها وبدأت تأكلها ، أطعمت قليلا منها لصغيرها ، في حين رفضت ان تعطي أي جزء منها للذكر الذي مدّ يده إليها طالباً ان تمنحه منها شيئا ، التفت إلينا وكأنه يتوسل ان نعطيه تفاحة ، لكن لسوء حظه لم يكن معنا مزيد من التفاح ، الا ان زميلتنا فاطمة أشفقت عليه ، وألقت إليه إجاصة كانت معها فأكلها لقمة واحدة ، وهو يصرخ مناديا إياي وزينب كي نتوقف للتفتيش ! فقلت له : بدلاً من تفتيشنا كان الأجدر بك ان تعمل لتحرر نفسك من هذا القفص ، وتعود إلى الغابة ، تأكل ما تشاء من الثمار ، وتنتقل كيفما تشاء ، فلو كنت في الغابة لما اقتربنا منك ، ولن نسمح لك بتفتيشنا إلا في الغابة ، فخجل من نفسه ، وعاد إلى بيته الذي يشبه قنّ الدجاج في القفص واختبأ .
وعندما وصلنا إلى الثعالب ، كانت في حفرة واسعة ، لا تستطيع القفز منها ، محاطة من الأعلى بسياج حديدي يمنع الدخول والخروج وفي جانبها جحر تختبئ فيه وقت الحاجة ، كان بعضها مستلقيا على جانبه كالكلاب في حالة الاسترخاء ، بينما خرج بعضها من الجحر وقد طأطأ رأسه بين قائمتيه الأماميتين الممدودتين أمامه ، نظرت إلينا بعض الثعالب التي اصطفت بجانب بعضها البعض ، وطلبت منا ان نفتح حقائبنا للتفتيش ، فقلت لها ساخرة : نحن لا نستطيع النزول إليكن ، وان أردتن تفتيشنا فاخرجن من هذه الحفرة ، وتقدمن إلينا حتى تستطعن رؤية ما بداخل حقائبنا ، فطأطأت الثعالب رؤوسها، وعادت إلى جحرها، وبهذا أنقذت معلماتي وزميلاتي من تفتيش الثعالب .
وانتقلنا إلى حظيرة فيها حمير الوحش ، وهذه هي المرة الأولى التي أقف أمامها وجها لوجه ، سبق لي ان رأيتها في التلفاز ، لكن تلك الرؤيا لم يكن لها وقع على نفسي كما المشاهدة الحقيقية ، تمعنت في منظرها ، ولاحظت ان لا فارق بينها وبين حمار جارنا سامر الا في اللون، وسألت إحدى معلماتي ان كانت هذه الحمير تسمح للإنسان ان يمتطيها كما يفعل حمار جارنا سامر ، فأجابت بأن هذه الحمير لم تُسَخّر لخدمة الإنسان كالحمير الداجنة ، كان بعضها مستكيناً ، الذباب يحوم حول أجفانها ، وفمها ، وتحت ذيولها ، في حين كان البعض الآخر يتمرمغ احياناً ، ويخبط الأرض بقوائمه أحيانا أخرى ، تقدم احدها منّا مادّاً أذنيه إلى الأعلى ، رافعا ذنبه جاحظاً عينيه ، ويخبط الأرض بقائمته الأمامية اليمنى ، وينهق علينا طالباً ان نفتح حقائبنا للتفتيش ، فقلت له : لو انك بقيت في مراعي موطنك الأصلي مع بقية الحيوانات الأخرى ، لما استطعنا الاقتراب منك ومنها ، ولو كنت هناك فعلا وطلبت تفتيشنا لسمحنا لك ، أما وأنت أسير في حظيرة حقيرة فليس من حقك ان تفتشنا ، فقال لي : لكنني لم آت إلى هذه الحظيرة بإرادتي بل أتى بي بشر متوحشون ، طاردوني وخدروني وأوثقوا رباطي إلى ان أوصلوني هنا رغما عني، فقلت له : كان الأجدر بك ان تموت ميتة واحدة في موطنك الأصلي ، بدلاً من ان تأتي هنا لتموت في اليوم مئة مرة ، فسألني : وكيف ؟
وعندما عادت إلى البيت في ساعات ما بعد الظهيرة من رحلتها المدرسية إلى حديقة الحيوانات ، كانت في غاية السعادة . تتنقل في أرجاء البيت بخفة ورشاقة كطائر الشنّار ، يسألها شقيقها فراس الذي يكبرها بسنتين عمّا رأت ، فتجيبه إجابات غير كاملة وسط قهقهة عذبة ، فيلح عليها لمعرفة المزيد ، فتزداد ضحكاً وتهرب منه كأنها في مطاردة .
كان الوالدان مسرورين لما يجري بين طفليهما ، فيسمعان لهما بصمت والابتسامة تعلو وجهيهما ، بينما يزداد فراس شوقاً لمعرفة ما رأت شقيقته في رحلتها المدرسية ، وكلما تهرب منه يرتفع صوته غاضبا ، فيحاول الإمساك بها الا انها تهرب كالفراشة إلى حضن احد والديها ، ويبدو ان هذه اللعبة قد استهوتها.
ناداها والدها وسألها :
- ما رأيك يا رباب .. هل ستحدثينني عن رحلتك ؟؟
فأجابت : نعم يا أبي ، بشرط ان لا يسمع فراس .
- ولماذا لا تريدين فراس ان يسمع ؟؟
-لأنه عندما ذهب إلى الرحلة نفسها لم يحدثني شيئا عنها. ضحك الأب ، وضحكت الأم ، بينما انزوى فراس في مقعد جانبيّ ولم ينبس ببنت شفة .
قال الأب :
أنت طفلة رائعة يا رباب ، وبالتأكيد فإنك ستحدثيننا أنا وأمك وفراس عن الرحلة . فابتسمت رباب وهي تقف أمام والدها وشرعت تقول ، وهي تشير بيديها ذات الشمال وذات اليمين :
عندما نزلنا من الباص أمام الحديقة ، طلبت منا المعلمة ان نصطف اثنين اثنين ، وان يمسك الاثنان بيدي بعضهما ، فأمسكت بيد زينب وحرصت ان نكون في المقدمة ، وعندما فتح الحارس الباب وسمح لنا بالدخول ، أول ما صادفنا أقفاص فيها أنواع مختلفة من الببغاوات ، منظرها جميل جدا ، وكل مجموعة لون ريشها يختلف عن لون المجموعة الأخرى ، صوتها مزعج ، الا ان قائدها يتكلم مثلنا نحن البشر ، طرح علينا تحية الصباح ، وطلب منا الوقوف للتفتيش، فلم استجب له وواصلت المسير ، فصاح ثانية : توقفا أيتهما الطفلتان ؟ أريد ان أفتش حقيبتيكما ، فقلت له باستهزاء : أنا لا اسمح لببغاء بأن يفتش حقيبتي ، وبدأ يفتش حقائب الأطفال الآخرين كما فتش حقائب المعلمات ، ولم ينج من التفتيش سوى أنا وصديقتي زينب ، وعلى مقربة منه كانت حظيرة فيها حوالي عشرة رؤوس من حيوانات الّلاما ، كانت تجفل من جانب إلى الجانب الآخر حتى تصطدم بالأسلاك الشائكة، يبدو انها مذعورة ، صاح الذكر الأكبر منها قائلاً :
- توقفوا أيها الأطفال وافتحوا حقائبكم للتفتيش ؟!
فأجبته : نحن لا نسمح لأحد بأن يفتشنا. فرفع رأسه واقترب من الأسلاك الشائكة وهو يخبط بقائمته الأولى الأمامية ، وكأنه يريد إلقاء القبض علينا ، فقلت له :
- أرجو ان لا تنخدع بطول وارتفاع قامتك وشبهك بالجمال، فتظن نفسك جملاً ، فما أنت الا أسير، وان أطلقوا سراحك ، فهناك من يمتطي ظهرك ، ويقودك إلى حيث يشاء ، أو يحملك الأحمال الثقيلة ، وينتقل بك من مكان إلى آخر ، ولن اسمح لك بتفتيشنا .
وبينما كان الوالدان يصغيان بانتباه شديد ، انفجر فراس صائحا :- هذا كذب ، هذا كذب ، الحيوانات لا تتكلم ، فالتفت إليه والده لفتة فيها عتاب فسكت . وطلب الوالد من رباب ان تكمل ، فقالت :- فتش الّلاما الجميع الا أنا وصديقتي زينب ، ثم انتقلنا إلى أقفاص فيها أنواع مختلفة من القردة والسعادين ، فلفت انتباهي نوع من السعادين طويل الذنب ، صغير الحجم ، كانت تتأرجح على مراجيح منصوبة في الأقفاص ، وبعضها كان يلّف ذنبه على الأرجوحة ، ويدلي جسمه متأرجحا بشكل لا نقوى عليه نحن البشر - طبعا باستثناء من يعملون في السيرك كما شاهدناهم في التلفاز – وهنا التفتت إلى والدتها وقالت : ماما ، الذين يعملون في السيرك هل هم أبناء قردة وسعادين ، أم ان القردة والسعادين أبناء لهم ؟؟ فضحك الأبوان ، أما فراس فقد قال متجهما : هذا سؤال سخيف ، فردت عليه رباب : ومع ذلك فانك لا تعرف الإجابة ، وان كنت تعرفها اخبرنا عنها ، فسكت ، وواصلت رباب حديثها : وبالقرب من قفص السعادين ذات الأذناب الطويلة والأجسام الصغيرة ، كان هناك نوع من القردة كبير الجسم بلا أذناب، أخبرتنا المعلمة انه الشمبانزي ، مظهره يوحي بشبه بينه وبين الإنسان ، يجلس على مؤخرته كالإنسان تماماً ، ويحضن أبناءه الصغار ، ويطعمهم ، ويحملهم في حضنه عندما ينتقل من مكان إلى آخر داخل القفص ، ويتأرجح بيد بينما يحضن ابنه في اليد الأخرى ، يكسو الشعر الكثيف جسمه باستثناء مؤخرته ، يصدر أصواتاً غير مفهومة ، تقدم احدها من أسلاك القفص ، وطلب منا ان نفتح الحقائب لتفتيشها ، فرفضت أنا وصديقتي زينب بينما قام بتفتيش الآخرين ، في حين كانت أنثاه ترضع صغيرها ، فألقيت لها من بين الأسلاك تفاحة ، التقطتها وبدأت تأكلها ، أطعمت قليلا منها لصغيرها ، في حين رفضت ان تعطي أي جزء منها للذكر الذي مدّ يده إليها طالباً ان تمنحه منها شيئا ، التفت إلينا وكأنه يتوسل ان نعطيه تفاحة ، لكن لسوء حظه لم يكن معنا مزيد من التفاح ، الا ان زميلتنا فاطمة أشفقت عليه ، وألقت إليه إجاصة كانت معها فأكلها لقمة واحدة ، وهو يصرخ مناديا إياي وزينب كي نتوقف للتفتيش ! فقلت له : بدلاً من تفتيشنا كان الأجدر بك ان تعمل لتحرر نفسك من هذا القفص ، وتعود إلى الغابة ، تأكل ما تشاء من الثمار ، وتنتقل كيفما تشاء ، فلو كنت في الغابة لما اقتربنا منك ، ولن نسمح لك بتفتيشنا إلا في الغابة ، فخجل من نفسه ، وعاد إلى بيته الذي يشبه قنّ الدجاج في القفص واختبأ .
وعندما وصلنا إلى الثعالب ، كانت في حفرة واسعة ، لا تستطيع القفز منها ، محاطة من الأعلى بسياج حديدي يمنع الدخول والخروج وفي جانبها جحر تختبئ فيه وقت الحاجة ، كان بعضها مستلقيا على جانبه كالكلاب في حالة الاسترخاء ، بينما خرج بعضها من الجحر وقد طأطأ رأسه بين قائمتيه الأماميتين الممدودتين أمامه ، نظرت إلينا بعض الثعالب التي اصطفت بجانب بعضها البعض ، وطلبت منا ان نفتح حقائبنا للتفتيش ، فقلت لها ساخرة : نحن لا نستطيع النزول إليكن ، وان أردتن تفتيشنا فاخرجن من هذه الحفرة ، وتقدمن إلينا حتى تستطعن رؤية ما بداخل حقائبنا ، فطأطأت الثعالب رؤوسها، وعادت إلى جحرها، وبهذا أنقذت معلماتي وزميلاتي من تفتيش الثعالب .
وانتقلنا إلى حظيرة فيها حمير الوحش ، وهذه هي المرة الأولى التي أقف أمامها وجها لوجه ، سبق لي ان رأيتها في التلفاز ، لكن تلك الرؤيا لم يكن لها وقع على نفسي كما المشاهدة الحقيقية ، تمعنت في منظرها ، ولاحظت ان لا فارق بينها وبين حمار جارنا سامر الا في اللون، وسألت إحدى معلماتي ان كانت هذه الحمير تسمح للإنسان ان يمتطيها كما يفعل حمار جارنا سامر ، فأجابت بأن هذه الحمير لم تُسَخّر لخدمة الإنسان كالحمير الداجنة ، كان بعضها مستكيناً ، الذباب يحوم حول أجفانها ، وفمها ، وتحت ذيولها ، في حين كان البعض الآخر يتمرمغ احياناً ، ويخبط الأرض بقوائمه أحيانا أخرى ، تقدم احدها منّا مادّاً أذنيه إلى الأعلى ، رافعا ذنبه جاحظاً عينيه ، ويخبط الأرض بقائمته الأمامية اليمنى ، وينهق علينا طالباً ان نفتح حقائبنا للتفتيش ، فقلت له : لو انك بقيت في مراعي موطنك الأصلي مع بقية الحيوانات الأخرى ، لما استطعنا الاقتراب منك ومنها ، ولو كنت هناك فعلا وطلبت تفتيشنا لسمحنا لك ، أما وأنت أسير في حظيرة حقيرة فليس من حقك ان تفتشنا ، فقال لي : لكنني لم آت إلى هذه الحظيرة بإرادتي بل أتى بي بشر متوحشون ، طاردوني وخدروني وأوثقوا رباطي إلى ان أوصلوني هنا رغما عني، فقلت له : كان الأجدر بك ان تموت ميتة واحدة في موطنك الأصلي ، بدلاً من ان تأتي هنا لتموت في اليوم مئة مرة ، فسألني : وكيف ؟
حسن شمام- المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 22/12/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى